“الهيئة الوطنية للمحامين تتسع للجميع دون إقصاء ومصدر قوتها يكمن في تنوعها وعدد منتسبيها وقدرتها على التعاطي مع كافة أنواع وأشكال النوازل”.
كانت تلك فقرة من ديباجة البيان الذى أصدره نقيب المحامين ابراهيم ولد أبتي عشية ترشحه لقيادة الهيئة 20 ابريل 2020، بعد سنوات من النضال من أجل تعزيز حرية التعبير فى البلد، ورفض التعايش مع الظلم والإقصاء والإستهداف على أساس الرأي والموقف.
كان النقيب الحالم بالمقعد بعد طول انتظار يدرك صعوبة الواقع من حوله، وكان بيانه الممهد لتوليه مقاليد الهيئة بتوافق وطنى، يشى يحقبة مختلفة للإنسان الموريتانى فى ظل حكمه للهيئة، وللمحامين على وجه الخصوص، إلا أن رياح الصراع هبت بما لم يتوقعه النقيب ذاته، وعادت الهيئة للواجهة من جديد، لكن هذه المرة من بوابة الإقصاء واتهام أبرز الفاعلين فيها بإذكاء النعرات القبلية والجهوية وتصفية الخصوم على الأسس ذاتها.
ورغم أن الدور الأبرز فى ما آلت إليه الأمور داخل النقابة يوليو 2020 كان بتوجيه ومباركة من نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذى أعاد الإعتبار للأطراف الفاعلة فى الساحة المحلية، وحد من الصراع داخل المؤسسات النقابية وافتعال الخصومة مع الأطراف المحسوبة على المعارضة، إلا أن مجمل القوى السياسية الفاعلة فى الساحة رحبت باختيار النقيب الجديد.
تعهد النقيب عشية ترشحه للإنتخابات بالعمل من أجل ” تجاوز كل التوجهات ذات الصلة بالمعايير السياسية أو القبلية أو الجهوية” بيد أن أبرز ضحاياه اليوم المحامى الدكتور سيد المختار ولد سيدي يعتقد أن قرار تصفيته من مهنة المحاماة بموريتانيا كان أكثر من قرار جهوي، وأن تصفية الحسابات لعبت دورها فى القرار الذى يعتبر سابقة فى تاريخ مهنة المحاماة بموريتانيا، وذلك لمواقفه المعلنة من النقيب وبعض معاونيه!.
لم تعلل الهيئة قرارها للجمهور، ولم تعلله للرأي العام فى خرجة إعلامية أو بيان رسمي. لكن وسائل إعلام محلية ذات مصداقية أعلنت الخبر، وأكده الضحية فى أكثر من تدوينة على مواقع التواصل الإجتماعى.
لقد شكل قرار الهيئة الوطنية للمحامين فرصة للنقيب ابراهيم ولد أبتى ورفاقه للتخلص من إزعاج رجل أشتهر بالحضور الطاغى فى كل الملفات المثارة أمام المحاكم الموريتانية وخارجها، وجرت له مواقفه الكثير من المشاكل، وأعتبر من طرف العديد من طلاب الجامعة من أكثر أساتذة القانون قدرة على التواصل مع طلابه وقناعة بالأفكار التى يدرسها داخل الجامعة، رغم أن علاقاته بالمحيط الذى يعمل فيه وببعض دوائر القرار ظلت متوترة، بفعل خرجاته غير الخاضعة لميزان الوضع السائد فى أمثاله من النخب الباحثة عن مصالح لدى شركاء المهنة من دوائر النفوذ، أو الباحثين عن مكانة داخل أروقة الجامعة التى كان فى طليعة المدرسين بها خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
لادخل للسلطة فى القرار الذى أتخذته الهيئة على الإطلاق بحسب متابعين للملف، لكنه يشكل قمة الإحراج لنظام الحكم، لأنها المرة الأولى فى التاريخ الموريتانى التى يتم فيها تجريد محامى موريتانى من حقه فى المحاماة، مهما كانت التهم الموجهة إليه، ومن تشكلة تعمل الآن من مسافة صفر مع نظام الحكم فى أشهر ملف معروض أمام القضاء!، وعلى أبواب انتخابات تشريعية وجهوية وبلدية لاتحتمل الكثير من اللعب بأعصاب الدهماء. لقد خاض أبرز قادة المهنة حروبا طاحنة ضد السلطة والمتعاملين معها أيام العقيد معاوية ولد الطايع، ولكن ظلوا يزاولون المتاح من المهنة، ويلبسون زي المحامى داخل قصر العدل دون متابعة أو تضييق.